بَابُ حَالِ الْيَقِيْنِ

بسم الله الرحمان الرحيم
 
    قَالَ الشَيْخُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدِاللهِ بْنُ عَلِيُّ السَّرَاجِ رَحِمَهُ اللهُ : وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالٰى اليَقِيْنَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ عَلى ثَلَاَثَةِ أَوْجُهٍ : عِلْمِ الْيَقِيْنِ وَعَيْنِ الْيَقِيْنِ وَ حَقِّ الْيَقِيْنِ
    وَ قَالَ النَّبِيُّ صَلّٰى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( سَلُّوْا اللهُ تَعَالٰى العَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْيَقِيْنَ فِي الدُّنْيَةِ وَ الْأَخِرَةِ  )
وَ قَالَ صَلّٰى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( رَحِمَ اللهُ أَخِىْ عِيْسٰى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوِ ازْدَادَ يَقِيْنًا لَمَشَى فِى الْهَوَاءِ ))
وَ قَالَ عَامِرُ بْن عَبْدُ قُوَيْسٍ ، رَحِمَهُ اللهُ : لَوْ كَشَفَ الغَطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِيْنًا )) يَعْنِيْ عِنْدَ مُعَايَنَتِيْ لِمَا أَمَنْتُ بِهِ مِنَ الْغَيْبِ وَ هذَا كَلَامُ غَالِبَاتٍ وَوَجْدٍ وَ تَحَقُّقٍ.
وَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّٰى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (( الخَلْقُ يُبْعَثُوْنَ عَلَى مَا يَمُوْتُوْنَ عَلَيْهِ )) وَلَا يَكُوْنُ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ فِى جَمِيْعِ الْمَعَانِيْهَا ، وَيَجُوْزُ اَنْ يَكُوْنَ لَهُ وَجْهٌ أَخَرٌ ، وَهُوَ اَنْ يَعْنِيْ : مَا ازْدَدْتُ عِلْمُ الْيَقِيْنِ .
وَ قَالَ أَبُوْ يَعْقُوْبِ النَّهْرَجُوْرِيْ، رَحِمَهُ اللهُ : إِذَا اسْتَكْمَلَ الْعَبْدُ حَقَائِقَ الْيَقِيْنِ صَارَ الْبَلَاءُ عِنْدَهُ نِعْمَةً وَ الرَّخَاءُ مُصِيْبَةً .
وَالْيَقِيْنُ هُوَ الْمُكَاشَفَةُ
وَالْمُكَاشَفَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
مُكَشَافَةُ الْعَيَانِ بِالْأَبْصَارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَمُكَاشَفَةُ الْقُلُوْبِ بِحَقَائِقِ الْإِيْمَانِ بِمُبَاشَرَةِ الْيَقِيْنِ بِلَا كَيْفَ وَلَا حَدَّ
وَالحَالَةُ الثَّالِثَةُ : مُكَاشَفَةُ الْأيَاتِ بِإِظْهَارِ الْقُدْرَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْمُعْجِزَاتِ ، وَلِغَيْرِهِمْ بِالْكَرَامَاتِ وَ الْإِجَابَاتِ.
وَالْيَقِيْنُ :حَالٌ رَفِيْعٌ ، وَ أَهْلُ الْيَقِيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ
فَالْأَوَّلُ : الْأَصَاغِرُ ، وَهُمْ الْمُرِيْدُوْنَ وَالْعُمُوْمُ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : أَوَّلُ مَقَامِ الْيَقِيْنِ :الثَّقَّةُ بِمَا فِى يَدِ اللهِ تَعَالٰى ، وَالْإِيَاسُ مِمَّا فِى أَيْدِى النَّاسِ
وَهُوَ مَا قَالَ الْجُنَيْدُ،  رَحِمَهُ اللهُ ، حَيْثُ سُئِلَ عَنِ الْيَقِيْنِ ، فَقَالَ :الْيَقِيْنُ ارْتِفَاعُ الشَّكِّ.
وَقَالَ أَبُوْ يَعْقُوْبٍ : إِذَا وَجَدَ الْعَبْدُ الرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ فَقَدْ تَكَامَلَ فِيْهِ الْيَقِيْنُ .
وَ سُئِلَ رُوَيْمُ بْنِ أَحْمَدٍ رَحِمَهُ اللهُ ، عَنِ الْيَقِيْنِ ،فَقَالَ :تَحْقِيْقُ الْقَلْبِ بِالْمَعْنَى عَلَى مَا هُوَ بِهِ
والثانى الأوساط وهم الخصوص وهو ما سئل ابن عطاء عن اليقين فقال: ما زالت فيه المعارضات على دوام الأوقات
وكما قال أبو يعقوب النهرجورىي رحمه الله : العبد إذا تحقق باليقين ترحل من يقين إلى اليقين حتى يصير اليقين له وطنا
وسئل أبو الحسين النورى رحمه الله عن اليقين فقال : اليقين : المشاهدة ومعنى المشاهدة قد ذكرناه
والثالث : الأكابر وهم خصوص الخصوص وهو ما قال عمرو بن عثمان المكي رحمه الله : اليقين فى جملته تحقيق الإثبات لله عزّ وجل بكل صفاته
وقال حد اليقين : دوام انتصاب القلوب لله عز وجل بما أورد عليها اليقين من حركات ما لاقى به الإلهام
وقال أبو يعقوب : لايستحق العبد اليقين حتى يقطع عن كل سبب حال بينه وبين الله تعالى ، من العرش إلى الثرى حتى يكون الله لاغير ، ويؤثر الله تعالى على كل شيئ سواه، وليس لزيادات اليقين نهاية ، كلما تفهموا وتفقهوا فى الدين ازدادوا يقينا على يقين
واليقين أصل جميع الأحوال وإليه تنتهي جميع الأحوال ، وهوآخر الأحوال ، وباطن جميع الأحوال ، و جميع الأحوال ظاهر اليقين ، ونهاية اليقين : تحقق التصديق بالغيب بإزالة كل شك وريب ، ونهاية اليقين : الاستبشار ، وحلاوة  المناجاة ، وصفاء النظر إلى الله تعالى ، بمشاهدة القلوب بحقائق اليقين بإزالة العلل ومعارضة التهم
قال الله تعالى : إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ( الحجر الآية ٧٥ ) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ( الذاريات الآية ٢٠ )
وقال الواسطي رحمه الله : إذا أيقن بالمعنى وقع له مشاهدة الأحوال ، وإذا انكشف له حقائق المعنى خرج من أشجان الخلق ،خاطبهم بالتقريب ، وهو الكشف من الصديقية ، وخاطبهم  الله تعالى  ، بالمشاهدة فقال : وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ( النساء: الآية ٦٩ )  الشهداء باعوه نفوسهم والصالحون الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون

Tidak ada komentar:

Posting Komentar